Wednesday, April 11, 2012

كيف تكتب الدساتير في العالم




بدأت معركة كتابة دستور مصر الجديد في إستفتاء مارس ٢٠١١، كانت حجة التيارات الإسلامية أن من الديمقراطية أن  تكتب الأغلبية الدستور، لأنها الطريقة الشرعية و المنطقية، أن يكتب الشعب دستوره. طبعاً لم يجد هذا صدى لدى الكثير من الخبراء لما في هذا من اهدار لحقوق الأقليات و تهديد صريح لحيادية الجهه التي ستحدد مصير الوطن في هذه المرحلة الدقيقة، خاصةً أن الشعب المصري خارج من تجربة مذلة مستبدة في عهد المخلوع . كان من المنطقي التنبؤ أن بهذه الطريقة سيتحكم حزب الأغلبية في مصير الدستور. لكن كل ما سبق كان تحليلات و اجتهادات تخطيء و تصيب.في هذا المقال سوف أحاول توضيح سوء حجة إختيار البرلمان لكتابة الدستور عن طريق دراسة عالمية في الامم المتحدة.

قام فريق بحثى بجامعة برينستون بقيادة أستاذة أمريكية متميزة و مجموعة من دارسى العلوم السياسية فى العالم بدراسة طرق كتابة الدساتير. تم دراسة الـ200 دستور التى ظهرت فى دول العالم المختلفة فى الفترة من 1975 وحتى 2003. وقد وجدت أن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير عرفتها دول العالم المختلفة.

 كانت أهم توصيات الدراسة هو التحذير من كتابه البرلمان للدستور. وأوصت إنه أولى خطوات كتابة الدستور هي الحوار المجتمعي و دائرة المفاوضات، خاصةً في الدول التي تحتاج التحول من نظام عسكري لنظام ديمقراطي. 

بغض النظر أن نسب كبيرة من الدول تكتب دستورها عن طريق البرلمان ولكن ظروفها مختلفة تماما عن مصر. عندما تقرأ كلام خبراء الامم المتحده ستجد بكل وضوح أن في الدول التي تمر بحالات مثل مصر، ينصح بكتابه الدساتير عن طريق حوار مجتمعي شامل، فقد كتب حرفياً أن في معظم الدول التي تمر بتحول من الحكم العسكري أو من نظام الحزب الواحد لنظام متعدد الأحزاب عادةً ما يتم كتابة دساتير هذه الدول عن طريق إجتماع الاحزاب و القوة السياسية المختلفة في دائرة المفاوضات، ثم يتم إتخاذ واحدة من هذه الطرق:

1) إما أن يقوم هذا الإجتماع بكتابة مسودة للدستور قبل عرضها على الشعب.
2) إما غالبا ما يقوم هذا المؤتمر بإختيار مفوضين من كل الاحزاب و شخصيات ثقافيه عامة لكتابة الدستور.             
3) إما يقم هذا المؤتمر بوضع معاير و مواد فوق دستورية يتم الاتفاق عليها قبل إنتخاب أي جهة لوضع الدستور، ثم يتم الاحتكام في المحكمة الدستورية إذا كان تم وضع الدستور في حدود هذه المعاير أم لا، مثل ما حدث في تجارب كثيرا ناجحة يصعب الحديث عنها في مقال واحد، مثل جنوب أفريقيا.

أكثر من ذلك فقد استنتجت الدراسة إن عادةً يتم عدم اللجوء إلى كتابه الدستور عن طريق الأغلبية لصعوبة تكوين كيان حقيقي ممثل للشعب عن طريق الانتخابات في مثل هذه الدول، لأن الاحزاب السياسية تكون جديدة فيتولد حالة من عدم الثقة و أحياناً تفضي للعنف، فأستخدام المؤتمر الشعبي يعتبر أكثر تمثيلاً في هذه الدول. قد كتب حرفياً على سبيل المثال أن عادةً في الدول الفرنكوفون الافريقية ( التي تشمل مصر ) يتم كتابه الدساتير عن طريق الحوارات المجتمعية!

وضح الخبراء أيضاً أن في كتابة أكثر من ثلث الدساتير ال-٢٠٠, تم إستخدام مباديء فوق دستورية و معاير على ضؤها يتم إنتخاب الكيان و كتابة الدستور الفعلي، فكثير من النسبة  التي تم كتابتها عن طريق البرلمانات تم تحصينها من إستئثار الاغلبية بهذه المعاير في مؤتمرات شعبية و مفاوضات!

لماذا استوقفتني هذه الدراسة المهمة، لأنه عندما لم نستفيد من تجارب ٢٠٠ دستور في فترة من ١٩٧٥ حتى ٢٠٠٣ ، دخلنا في المتاهات التي حذر منها الخبراء، أصبحت لجنة الدستور تحمل صبغة معينة، و إنسحب منها كل القوة السياسية الأخرى لأسباب واضحة و منطقية، وفي ظل تهديدات المجلس العسكري بالطعون المقدمة والسخط الشعبي الواسع جداً على لجنة الدستور، و سطوع شبح عمر سليمان و عمرو موسى على إنتخابات الرئاسة، اصبحنا بالفعل في متاهات!ما الحل أذن، أولى خطوات الحل من وجهة نظري المتواضع أن نبادر بلم الشمل، وتجميع القوة السياسية كلها دون إقصاء، يجب أن يبدأ قادة الأحزاب الإسلامية باعتذار عن سؤ رؤيتهم الفترة الماضية، إذا لم يستجيب الاخوان لهذه الدعوة، فقد استحقوا أذن ما سيكتب التاريخ عن محاولتهم الإنفراد بالحكم، تماماً كما كتب التاريخ عن حزب African National Congress في جنوب إفريقيا عندما حاول إستخدام الإنتخابات عام ١٩٩١ لنفس الغرض، و استغرقتهم سنوات حتى يتم استدراج هذا الخطأ والرجوع لدائرة الحوار. فإذا كنا نبحث عن مصلحة مصر، فهذه الدراسة تمت من أجل هذا، طلب الامم المتحدة لمعاير نموذجية لكتابة الدساتير في العالم، خصوصاً بعد ما عرفنا اننا وقعنا في نفس الأخطاء التي تم التحذير منها، أعتقد أنه من العبث عدم الاستفادة منها! أرجو نشر المقالة علي أن أكون أصبت, والله أعلى وأعلم!
 
اللينك للدراسة : 
www.princeton.edu/bobst/docs/Constitutions_inst_processes.doc

No comments:

Post a Comment